قصة مثل

مقالات في التصحيح اللغوي (تقويم - تقييم)

التصحيح اللغويمن الأخطاء الشائعة لدى أهل التربية استخدام كلمتي «تقويم»، و«تقييم»؛ إذ تستعمل الأولى «تقويم» عندهم لتعديل الطالب في الخطأ الذي وقع فيه والثانية «تقييم» لإعطائه الدرجة التي يستحقها من خلال الأعمال المدرسية التي يطالب بها.



حينما كنت أدرس في كلية اللغة العربية كان يدرّسنا التربيةَ أحدُ الدكاترة، فعرض هذا التفريق. ولأنه غير متخصص في اللغة العربية فوقوع الخطأ منه أمر سائغ إذ يقع من المتخصصين فما بالك بغيرهم.

فوُضِّحَ له خطأ هذا التفريق وأنه ليس في اللغة العربية «تقييم»، فرفض قبول هذا التصحيح. ولسان حاله يقول : لستم أنتم الذين تعلموننا علمنا!



تعجبنا من إصراره على الخطأ، وبعد انتهاء المحاضرة فكرت كما فكر غيري في أسباب عدم قبوله للحق.

والذي تبين لي أنه درس هذا التفريق ودرَّسه، وانتشر، وعليه يستحقون جزءًا من رواتبهم؛ فمعنى التنازل أن الذي دَرَسَهُ خطأ، والذي درَّسه مخطِئ، وأن الخطط التربوية مخطئة.



هذه مقدمة أردت بيانها، وإليك بيان الخطأ:



أولا : من حيث الأصل اللغوي:



أ - «تقويم» مصدر؛ فعله «قَوَّمَ» بفتح القاف، وتشديد الواو المفتوحة، ثم ميم بعدها. والأصل الذي اشتقت منه هو « ق و م » القاف والواو والميم.

ب - «تقييم» مصدر؛ فعله المتخيل «قَيَّمَ» بفتح القاف، وتشديد الياء المفتوحة، ثم ميم بعدها. والأصل المتخيل الذي اشتقت منه هو « ق ي م » القاف والياء والميم.

يُرَدُّ على هؤلاء أنه ليس هناك أصل في اللغة العربية بهذه الحروف المتتالية «ق ي م» بل المعروف هو «ق و م» القاف والواو والميم.

وارجع إلى المعجمات العربية فلن تجد ذكرا لهذا الأصل «ق ي م»؛ لن تجد سوى «ق و م».



ثانيًا : من حيث صياغة المصدر:



وهذا ينبني على الرد الأول؛ لأننا نفينا أن يكون هناك فعل بهذا الأصل اللغوي «قيَّم».

الفعل الثلاثي المجرد المضعف العين يكون مصدره على «تفعيل» [ينظر:ينظر شذا العرف (116)، وتهذيب التوضيح (79).] مثل:

أ - «كبر = تكبير».

ب - «عظم = تعظيم».

ج - «درس = تدريس».

وعليه «قوَّم – تقويم» ولا يصح «قوَّم = تقييم»، وإليك الشرح :

ـر ـبَّـ كَـ
ـم ـظَّـ عَـ
س رَّ دَ
م ـوَّ قَـ


هذه كلها على وزن « فَعَّل » : فَـ ـعَّـ ـل ، والمصدر يكون على « تفعيل » : تـ ـفـ ـعـ ـيـ ـل

وإليك جدولا يوضح المصدر:

1 – الحقل الأول هو «تاء» المصدر الزائدة في «تفعيل».

2 – الحقل الثاني هو فاء الكلمة، وهو حرف أصلي، ولا يتغير في المصدر.

3 - الحقل الثالث هو عين الكلمة وهو حرف أصلي. ولا يتغير في المصدر، بل يبقى كما هو.

4 – الحقل الرابع هو «ياء» المصدر الزائدة في « تفعيل ».

5 – الحقل الخامس هو لام الكلمة. وهو حرف أصلي.

5 4 3 2 1 #
ـر ـيـ ـبـ ـكـ تـ تكبير
ـم ـيـ ـظـ ـعـ تـ تعظيم
س يـ ر د تـ تدريس
ـم يـ و ـقـ تـ تقويم
ـل ـيـ ـعـ ـفـ تـ تفعيل


تلحظ أن الحقلين الأول والرابع هما حرفان زائدان لأجل صيغة المصدر. والبقية حروف أصول لا تتغير.

فالخطأ هو في إبدال الحرف الأصلي «الواو» [الحقل الثالث] في «تقويم» إلى ياء «تقييم» :

5 4 3 2 1
ـم يـ و (ـيـ) ـقـ تـ
ـل ـيـ ـعـ ـفـ تـ


ولا موجب للإبدال: ما قبل الواو قاف ساكنة، والواو متحركة مكسورة وما بعدها ياء زائدة ساكنة.

الواو تبدل ياء في عشرة مواضع معروفة وليس من ضمنها هذا الموضع.[ينظر الممتع في التصريف (319)، وشذا العرف (209)]



ثالثًا : من حيث الدلالة اللفظية:



هذا التفريق محدث لم تعرفه العرب؛ فالعرب استخدموا «تقويم» لإعطاء القيمة، وللتعديل. وأهل التربية مقرون بأن «تقويم» للتعديل؛ لهذا لن أذكر الأدلة عليها، بل سأورد الدليل على «تقويم» بمعنى إعطاء القيمة:



• مدخل : كلمة «قيمة» أصلها اللغوي «قِوْمَة» ولعلّة تصريفية قلبت الواو ياء.



1 – وعظ عبيدة بن الزبير أهل المدينة فقال: «قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسمئة درهم»، فسمي مقوم الناقة.[ينظر الكامل لابن الأثير في حوادث سنة خمس وستين.] أي : معطيها القيمة.

ولو كانت على رأي أهل التربية لقالوا عنه : «مُقَيِّم» الناقة.



2- في اللسان «ق و م» : «والقيمة : ثمن الشيء بالتقويم».

ولو كانت على رأي أهل التربية لقيل :«بالتقييم».



ولا تعجب أن يتكلم أحدهم فيقول :



- الصيام ما كان فرضًا، والصوام ما كان نفلا!

- والاستقامة للمحسوس، والاستقوامة للمعنوي!

- وموقن للحقيقة المطلقة وميقن للحقيقة التي يخالجها شك!

- والتنويم في غرف المستشفى والتنييم للمغناطيسي، وهلم جرا





8/12/1432هـ

عبد الرحمن بن ناصر السعيد

عدد التعليقات : 3 | عدد القراء : 12965 | تأريخ النشر : الجمعة 9 ذو الحجة 1432هـ الموافق 4 نوفمبر 2011م

_PDF_FORمقالات في التصحيح اللغوي (تقويم - تقييم)اضغط على الصورة للحصول على المقال بصيغة PDF

طباعة المقال

إرسال المقالة
مقالات في التصحيح اللغوي (تقويم - تقييم) من الأخطاء الشائعة لدى أهل التربية استخدام كلمتي «تقويم»، و«تقييم»؛ إذ تستعمل الأولى «تقويم» عندهم لتعديل الطالب في الخطأ الذي وقع فيه والثانية «تقييم» لإعطائه الدرجة التي يستحقها من خلال الأعمال المدرسية التي يطالب بها. حينما كنت أدرس في كلية اللغة العربية كان يدرسنا التربية أحد الدكاترة، فعرض هذا التفريق. ولأنه غير متخصص في اللغة العربية فوقوع الخطأ منه أمر سائغ إذ يقع من المتخصصين فما بالك بغيرهم. فوضح له خطأ هذا التفريق وأنه ليس في اللغة العربية «تقييم»، فرفض قبول هذا التصحيح. ولسان حاله يقول : لستم أنتم الذين تعلموننا علمنا! تعجبنا من إصراره على الخطأ، وبعد انتهاء المحاضرة فكرت كما فكر غيري في أسباب عدم قبوله للحق. والذي تبين لي أنه درس هذا التفريق ودرسه، وانتشر، وعليه يستحقون جزءا من رواتبهم؛ فمعنى التنازل أن الذي درسه خطأ، والذي درسه مخطئ، وأن الخطط التربوية مخطئة. هذه مقدمة أردت بيانها، وإليك بيان الخطأ: أولا : من حيث الأصل اللغوي: أ - «تقويم» مصدر؛ فعله «قوم» بفتح القاف، وتشديد الواو المفتوحة، ثم ميم بعدها. والأصل الذي اشتقت منه هو « ق و م » القاف والواو والميم. ب - «تقييم» مصدر؛ فعله المتخيل «قيم» بفتح القاف، وتشديد الياء المفتوحة، ثم ميم بعدها. والأصل المتخيل الذي اشتقت منه هو « ق ي م » القاف والياء والميم. يرد على هؤلاء أنه ليس هناك أصل في اللغة العربية بهذه الحروف المتتالية «ق ي م» بل المعروف هو «ق و م» القاف والواو والميم. وارجع إلى المعجمات العربية فلن تجد ذكرا لهذا الأصل «ق ي م»؛ لن تجد سوى «ق و م». ثانيا : من حيث صياغة المصدر: وهذا ينبني على الرد الأول؛ لأننا نفينا أن يكون هناك فعل بهذا الأصل اللغوي «قيم». الفعل الثلاثي المجرد المضعف العين يكون مصدره على «تفعيل» [ينظر:ينظر شذا العرف (116)، وتهذيب التوضيح (79).] مثل: أ - «كبر = تكبير». ب - «عظم = تعظيم». ج - «درس = تدريس». وعليه «قوم – تقويم» ولا يصح «قوم = تقييم»، وإليك الشرح : ـر ـبـ كـ ـم ـظـ عـ س ر د م ـو قـ هذه كلها على وزن « فعل » : فـ ـعـ ـل ، والمصدر يكون على « تفعيل » : تـ ـفـ ـعـ ـيـ ـل وإليك جدولا يوضح المصدر: 1 – الحقل الأول هو «تاء» المصدر الزائدة في «تفعيل». 2 – الحقل الثاني هو فاء الكلمة، وهو حرف أصلي، ولا يتغير في المصدر. 3 - الحقل الثالث هو عين الكلمة وهو حرف أصلي. ولا يتغير في المصدر، بل يبقى كما هو. 4 – الحقل الرابع هو «ياء» المصدر الزائدة في « تفعيل ». 5 – الحقل الخامس هو لام الكلمة. وهو حرف أصلي. 5 4 3 2 1 # ـر ـيـ ـبـ ـكـ تـ تكبير ـم ـيـ ـظـ ـعـ تـ تعظيم س يـ ر د تـ تدريس ـم يـ و ـقـ تـ تقويم ـل ـيـ ـعـ ـفـ تـ تفعيل تلحظ أن الحقلين الأول والرابع هما حرفان زائدان لأجل صيغة المصدر. والبقية حروف أصول لا تتغير. فالخطأ هو في إبدال الحرف الأصلي «الواو» [الحقل الثالث] في «تقويم» إلى ياء «تقييم» : 5 4 3 2 1 ـم يـ و (ـيـ) ـقـ تـ ـل ـيـ ـعـ ـفـ تـ ولا موجب للإبدال: ما قبل الواو قاف ساكنة، والواو متحركة مكسورة وما بعدها ياء زائدة ساكنة. الواو تبدل ياء في عشرة مواضع معروفة وليس من ضمنها هذا الموضع.[ينظر الممتع في التصريف (319)، وشذا العرف (209)] ثالثا : من حيث الدلالة اللفظية: هذا التفريق محدث لم تعرفه العرب؛ فالعرب استخدموا «تقويم» لإعطاء القيمة، وللتعديل. وأهل التربية مقرون بأن «تقويم» للتعديل؛ لهذا لن أذكر الأدلة عليها، بل سأورد الدليل على «تقويم» بمعنى إعطاء القيمة: • مدخل : كلمة «قيمة» أصلها اللغوي «قومة» ولعلة تصريفية قلبت الواو ياء. 1 – وعظ عبيدة بن الزبير أهل المدينة فقال: «قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسمئة درهم»، فسمي مقوم الناقة.[ينظر الكامل لابن الأثير في حوادث سنة خمس وستين.] أي : معطيها القيمة. ولو كانت على رأي أهل التربية لقالوا عنه : «مقيم» الناقة. 2- في اللسان «ق و م» : «والقيمة : ثمن الشيء بالتقويم». ولو كانت على رأي أهل التربية لقيل :«بالتقييم». ولا تعجب أن يتكلم أحدهم فيقول : - الصيام ما كان فرضا، والصوام ما كان نفلا! - والاستقامة للمحسوس، والاستقوامة للمعنوي! - وموقن للحقيقة المطلقة وميقن للحقيقة التي يخالجها شك! - والتنويم في غرف المستشفى والتنييم للمغناطيسي، وهلم جرا 8/12/1432هـ
(1) - عنوان التعليق : قيم

تأريخ النشر: الجمعة 9 ذو الحجة 1432هـ الموافق 4 نوفمبر 2011مسيحية

نص التعليق
السلام عليكم
يعطيك العافية على البحث الرائع
مما ذكر في البحث انه لا يوجد كلمة في اللغة ترجع الى ق ي م
وقد وردت في القران الكريم كلمة قيّم بتشديد الياء ليس المقصود منها التقييم لكن ما هو مصدرها
في قصة. الناقة ذكر قال قيمتها فمن اين اتت كلمة قيمتها
ولك التحية

===

زائرنا الكريم

في (ثالثًا) : أوردت ما يلي:
• مدخل : كلمة «قيمة» أصلها اللغوي «قِوْمَة» ولعلّة تصريفية قلبت الواو ياء.

فما تراه في (قيّم ) ليس الأصل بل الياء مبدلة من (واو)، ولها مواضع معروفة في كتب التصريف أشرت إليها في المقالة.

شكرا لك
عبدالرحمن السعيد

طباعة التعليق

إرسال التعليق
(2) - عنوان التعليق : أحسنت

تأريخ النشر: الجمعة 6 صفر 1433هـ الموافق 30 ديسمبر 2011مسيحية

نص التعليق
بارك الله فيك على هذا التوضيح ، وبصفتي أحد طلاب كلية التربية التي ينتشر فيها هذا الخطأ سأسعى جاهدًا من الآن (لتقويم) هذا الخطأ ..

طباعة التعليق

إرسال التعليق
(3) - عنوان التعليق : تقويم التقويم

تأريخ النشر: الجمعة 14 صفر 1436هـ الموافق 5 ديسمبر 2014مسيحية

نص التعليق
أجاز مجمع اللغة العربية "التقييم" لبيان القيمة وأورده في المعجم الوسيط، وفيه: قَيَّمَ الشيءَ تقييمًا: قدَّر قيمتَه، وعليه يكون الفرق بين الكلمتين هو أنّ "التقويم" لتعديل الشيء، أمّا "التقييم"، فلبيان القيمة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/web/khedr/0/50989/#ixzz3L33hF6yi
والتقييم يستخدم كترجمة للكلمة الإنجليزية Evaluation و التقويم Correction

طباعة التعليق

إرسال التعليق
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق

التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع